الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب المتفلجات للحسن) أي لأجل الحسن، والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه، والفلج بالفاء واللام والجيم انفراج ما بين الثنيتين، والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات، ويستحسن من المرأة فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة، لأن الصغيرة غالبا تكون مفلجة جديدة السن، ويذهب ذلك في الكبر، وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء، وقد ثبت النهي عنه أيضا في بعض طرق حديث ابن مسعود ومن حديث غيره في السنن وغيرها، وستأتي الإشارة إليه في آخر " باب الموصولة " فورد النهي عن ذلك لما فيه من تغيير الخلقة الأصلية. الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الشرح: قوله: (حدثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس، والإسناد كله كوفيون. وقال الدار قطني: تابع منصور الأعمش. ومن أصحاب الأعمش من لم يذكر عنه علقمة في السند. وقال إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي عن أم يعقوب عن ابن مسعود، والمحفوظ قول منصور. قوله: (لعن الله الواشمات) جمع واشمة بالشين المعجمة وهي التي تشم (والمستوشمات) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم، ونقل ابن التيم عن الداودي أنه قال: الواشمة التي يفعل بها الوشم والمستوشمة التي تفعله، ورد عليه ذلك. وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن منصور بلفظ " المستوشمات " وهو بكسر الشين التي تفعل ذلك وبفتحها التي تطلب ذلك، ولمسلم من طريق مفضل بن مهلهل عن منصور " والموشومات " وهي من يفعل بها الوشم. قال أهل اللغة: الوشم بفتح ثم سكون أن يغرز في العضو إبرة أو نحوها حتى يسيل الدم ثم يحشى بنورة أو غيرها فيخضر. وقال أبو داود في السنن. الواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد، والمستوشمة المعمول بها انتهى. وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة وسيأتي عن نافع في آخر الباب الذي يليه أنه يكون في اللثة، فذكر الوجه ليس قيدا، وقد يكون في اليد وغيرها من الجسد، وقد يفعل ذلك نقشا، وقد يجعل دوائر، وقد يكتب اسم المحبوب، وتعاطيه حرام بدلالة اللعن كما في حديث الباب، ويصير الموضع الموشوم نجسا لأن الدم انحبس فيه فتجب إزالته إن أمكنت ولو بالجرح إلا إن خاف منه تلفا أو شينا أو فوات منفعة عضو فيجوز إبقاؤه، وتكفي التوبة في سقوط الإثم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. قوله: (والمتنمصات) يأتي شرحه في باب مفرد يلي الباب الذي يليه، ووقع عند أبي داود عن محمد بن عيسى عن جرير " الواصلات " بدل المتنمصات هنا. قوله: (والمتفلجات للحسن) يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز. قوله: (المغيرات خلق الله) هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج وكذا الوصل على إحدى الروايات. قوله: (ما لي لا ألعن) كذا هنا باختصار، ويأتي بعد باب عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير بزيادة ولفظه " فقالت أم يعقوب ما هذا " وأخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم شيخي البخاري فيه أتم سياقا منه فقال: " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات الخ؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن " وذكر مسلم أن السياق لإسحاق: " وقد أخرجه أبو داود عن عثمان وسياقه موافق لسياق إسحاق إلا في أحرف يسيرة لا تغير المعنى وسبق في تفسير سورة الحشر للمصنف من طريق الثوري عن منصور بتمامه، لكن لم يقل فيه " وكانت تقرأ القرآن " وما في قول ابن مسعود " ما لي لا ألعن " استفهامية، وجوز الكرماني أن تكون نافية وهو بعيد. قوله: (وهو في كتاب الله قوله: (وما آتاكم الرسول - إلى - فانتهوا) في رواية مسلم " قال الله عز وجل وما آتاكم الخ " وزاد " فقالت المرأة إني أرى شيئا من هذا على امرأتك " وقد تقدم ذلك في تفسير الحشر، وقد أخرجه الطبراني من طريق مسروق عن عبد الله وزاد في آخره " فقال عبد الله ما حفظت وصية شعيب إذا " يعني قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: (تنبيه) : أم يعقوب المذكورة في هذا الحديث لا يعرف اسمها وهي من بني أسد بن خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة، ومراجعتها ابن مسعود تدل على أن لها إدراكا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. *3* الشرح: قوله: (باب وصل الشعر) أي الزيادة فيه من غيره. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس. قوله: (عن حميد بن عبد الرحمن) في رواية معمر عن الزهري " حدثني حميد بن عبد الرحمن " أخرجه أحمد. وفي رواية يونس عن الزهري أنبأنا حميد أخرجه الترمذي. وقد أخرج مسلم روايتي معمر ويونس، لكن أحال بهما على رواية مالك. وأخرجه الطبراني من طريق النعمان بن راشد عن الزهري فقال: " عن السائب بن يزيد " بدل حميد بن عبد الرحمن، وحميد هو المحفوظ. قوله: (عام حج) تقدم في ذكر بني إسرائيل من طريق سعيد بن المسيب عن معاوية تعيين العام المذكور. قوله: (وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي) القصة بضم القاف وتشديد المهملة الخصلة من الشعر. وفي رواية سعيد بن المسيب " كبة " ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب " أن معاوية قال: إنكم أخذتم زي سوء؛ وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة " والحرسي بفتح الحاء والراء وبالسين المهملات نسبة إلى الحرس وهم خدم الأمير الذين يحرسونه، ويقال للواحد حرسي لأنه اسم جنس، وعند الطبراني من طريق عروة عن معاوية من الزيادة " قال: وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن " وهذا يدل على أنه لم يكن يعرف ذلك في النساء قبل ذلك. وفي رواية سعيد بن المسيب " ما كنت أرى يفعل ذلك إلا اليهود". قوله: (أين علماؤكم) ؟ تقدم في ذكر بني إسرائيل أن فيه إشارة إلى قلة العلماء يومئذ بالمدينة، ويحتمل أنه أراد بذلك إحضارهم ليستعين بهم على ما أراد من إنكار ذلك أو لينكر عليهم سكوتهم عن إنكارهم هذا الفعل قبل ذلك. قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل) في رواية معمر عند مسلم إنما عذب بنو إسرائيل، ووقع في رواية سعيد بن المسيب المذكورة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور " وفي رواية قتادة عن سعيد عند مسلم " نهى عن الزور " وفي آخره " ألا وهذا الزور " قال قتادة: يعني ما تكثر به النساء أشعارهن من الخرق. وهذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرا أم لا، ويؤيده حديث جابر " زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا " أخرجه مسلم. وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي. وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: لا بأس بالقرامل؛ وبه قال أحمد والقرامل جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها، وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستورا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر، وبين ما إذا كان ظاهرا، فمنع قوم الأول فقط لما فيه من التدليس وهو قوي، ومنهم من أجاز الوصل مطلقا سواء كان بشعر آخر أو بغير شعر إذا كان بعلم الزوج وبإذنه، وأحاديث الباب حجة عليه. ويستفاد من الزيادة في رواية قتادة منع تكثير شعر الرأس بالخرق كما لو كانت المرأة مثلا قد تمزق شعرها فتضع عوضه خرقا توهم أنها شعر. وقد أخرج مسلم عقب حديث معاوية هذا حديث أبي هريرة وفيه " ونساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت، قال النووي يعني يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها، قال: وفي الحديث ذم ذلك. وقال القرطبي: البخت بضم الموحدة وسكون المعجمة ثم مثناة جمع بختية وهي ضرب من الإبل عظام الأسنمة والأسنمة بالنون جمع سنام وهو أعلى ما في ظهر الجمل شبه رءوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رءوسهن تزيينا وتصنعا، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن. (تنبيه) : كما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة، وقد أخرج الطبري من طريق أم عثمان بنت سفيان عن ابن عباس قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها " وهو عند أبي داود من هذا الوجه بلفظ " ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير " والله أعلم. حديث أبي هريرة. قوله: (وقال ابن أبي شيبة) هو أبو بكر كذا أخرجه في مسنده ومصنفه بهذا الإسناد، ووصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريقه، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد كذلك، فيحتمل أن يكون هو المراد لأن أبا بكر وعثمان كلاهما من شيوخ البخاري، ويونس هو المؤدب، وفليح هو ابن سليمان. قوله: (لعن الله الواصلة) أي التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أم لغيرها (والمستوصلة) أي التي تطلب فعل ذلك ويفعل بها، وكذا القول في الواشمة والمستوشمة، وتقدم تفسيره. وهذا صريح في حكاية ذلك عن الله تعالى إن كان خبرا فيستغنى عن استنباط ابن مسعود، ويحتمل أن يكون دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من فعلت ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ الشرح: قوله: (الحسن بن مسلم بن يناق) بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف كأنه اسم عجمي، ويحتمل أن يكون اسم فعال من الأنيق وهو الشيء الحسن المعجب فسهلت همزته ياء، والحسن المذكور تابعي صغير من أهل مكة ثقة عندهم وكان كثير الرواية عن طاوس ومات قبله. قوله: (أن جارية من الأنصار تزوجت) تقدم ما يتعلق بتسميتها وتسمية الزوج في كتاب النكاح. قوله: (فتمعط) بالعين والطاء المهملتين أي خرج من أصله، وأصل المعط المد كأنه مد إلى أن تقطع، ويطلق أيضا على من سقط شعره. قوله: (فأرادوا أن يصلوها) أي يصلوا شعرها، وقوله: " فسألوا " تقدم هناك أن السائل أمها، وهو في حديث أسماء بنت أبي بكر الذي يلي: هذا. قوله: (تابعه ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن الحسن) هو ابن مسلم، وهذه المتابعة رويناها موصولة في " أمالي المحاملي " من رواية الأصبهانيين عنه، ثم من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق " حدثني أبان بن صالح " فذكره وصرح بالتحديث في جميع السند وأول الحديث عنده " أن امرأة سألت عائشة - وهي عندها - عن وصل المرأة رأسها بالشعر " فذكر الحديث وقال فيه " فتمرق " بالراء والقاف. وقال فيه " أفأضع على رأسها شيئا " والباقي مثله. وفائدة هذه المتابعة أن يعلم أن الحديث عند صفية بنت شيبة عن عائشة وعن أسماء بنت أبي بكر جميعا، ولأبان بن صالح في هذا المعنى حديث آخر أخرجه أبو داود من رواية أسامة بن زيد عنه عن مجاهد عن ابن عباس فذكر الحديث المرفوع دون القصة وزاد فيه النامصة والمتنمصة وقال في آخره: " والمستوشمة من غير داء " وسنده حسن، ويستفاد منه أن من صنعت الوشم عن غير قصد له بل تداوت مثلا فنشأ عنه الوشم أن لا تدخل في الزجر. الحديث: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أَنْكَحْتُ ابْنَتِي ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِي بِهَا أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا فَسَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ الشرح: قوله: (منصور بن عبد الرحمن) هو الحجبي وأمه هي صفية بنت شيبة، وفضيل بن سليمان راويه عن منصور وإن كان في حفظه شيء، لكن قد تابعه وهيب بن خالد عن منصور عند مسلم، وأبو معشر البراء عند الطبراني. قوله: (فتمزق) بالزاي أي تقطع، كذا للكشميهني والحموي وهي رواية مسلم، وبالراء للباقين أي مرق من أصله وهو أبلغ، ويحتمل أن يكون من المرق وهو نتف الصوف، وللطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر " فأصابتها الحصبة أو الجدري فسقط شعرها، وقد صحت وزوجها يستحثنا وليس على رأسها شعر، أفنجعل على رأسها شيئا نجملها به "؟ الحديث. وقوله: " أفأصل رأسها "؟ في رواية الكشميهني " شعرها " وهو المراد بالرواية الأخرى. قوله: (فسب) بالمهملة والموحدة أي لعن كما صرح به في الرواية الأخرى. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ الشرح: قوله: (عن امرأته فاطمة) هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي بنت عم هشام بن عروة الراوي عنها، وأسماء بنت أبي بكر هي جدتهما معا لأنها أم المنذر وأم عروة، وهذه الطريق تؤكد رواية منصور بن عبد الرحمن عن أمه، وأن للحديث عن أسماء بنت أبي بكر أصلا ولو كان مختصرا. قوله: (الواصلة والمستوصلة) هذا القدر الذي وجدته من حديث أسماء فكأنها ما سمعت الزيادة التي في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر في الواشمة والمستوشمة فأخرج الطبري بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم قال: " دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة " قال الطبري كأنها كانت صنعته قبل النهي فاستمر في يدها، قال: ولا يظن بها أنها فعلته بعد النهي لثبوت النهي عن ذلك. قلت: فيحتمل أنها لم تسمعه، أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَقَالَ نَافِعٌ الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ الشرح: قوله: (عبد الله) هو ابن المبارك، وعبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري. قوله: (قال نافع: الوشم في اللثة) بكسر اللام وتخفيف المثلثة وهي ما على الأسنان من اللحم وقال الداودي:. هو أن يعمل على الأسنان صفرة أو غيرها، كذا قال، ولم يرد نافع الحصر في كون الوشم في اللثة بل مراده أنه قد يقع فيها. وفي هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعول به، وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه، لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات، بل عند بعضهم أنه من علامات الكبيرة. وفي حديث عائشة دلالة على بطلان ما روي عنها أنها رخصت في وصل الشعر بالشعر وقالت: إن المراد بالواصل المرأة تفجر في شبابها ثم تصل ذلك بالقيادة، وقد رد ذلك الطبري وأبطله بما جاء عن عائشة في قصة المرأة المذكورة في الباب. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ قَالَ مَا كُنْتُ أَرَى أَحَداً يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الْوَاصِلَةَ فِي الشَّعَرِ الشرح: حديث معاوية وفيه طهارة شعر الآدمي لعدم الاستفصال، وإيقاع المنع على فعل الوصل لا على كون الشعر نجسا، وفيه نظر، وفيه جواز إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه، وفيه قيام الإمام بالنهي على المنبر ولا سيما إذا رآه فاشيا فيفشي إنكاره تأكيدا ليحذر منه، وفيه إنذار من عمل المعصية بوقوع الهلاك بمن فعلها قبله كما قال تعالى: الشرح: قوله: (باب المتنمصات) جمع متنمصة وحكى ابن الجوزي منتمصة بتقديم الميم على النون وهو مقلوب، والمتنمصة التي تطلب النماص، والنامصة التي تفعله، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش منماصا لذلك، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما. قال أبو داود في السنن: النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه. ذكر فيه حديث ابن مسعود الماضي في " باب المتفلجات " قال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي. وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة. وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب. قلت: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه، وإلا فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس. وقال بعض الحنابلة: إن كان النمص أشهر شعارا للفواجر امتنع وإلا فيكون تنزيها. وفي رواية يجوز بإذن الزوج إلا إن وقع به تدليس فيحرم، قالوا ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة. وقد أخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف. جبينها لزوجها فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت. وقال النووي: يجوز التزين بما ذكر، إلا الحف فإنه من جملة النماص. الشرح: قوله: (باب الموصولة) تقدمت مباحثه قبل بباب. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ الشرح: قوله: (عبدة) هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري. قوله: (المستوصلة) هي التي تطلب وصل شعرها. الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ سَمِعْتُ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَامَّرَقَ شَعَرُهَا وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ الشرح: قوله (أصابتها) في رواية الكشميهني " أصابها " بالتذكير على إرادة الحب، والحصبة بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة ويجوز فتحها وكسرها بعدها موحدة: بثرات حمر تخرج في الجلد متفرقة، وهي نوع من الجدري. قوله: (امرق) بتشديد الميم بعدها راء وأصله انمرق بنون فذهبت في الإدغام، ووقع في رواية الحموي والكشميهني بالزاي بدل الراء كما تقدم. الحديث: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَةُ وَالْمُوتَشِمَةُ وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ يَعْنِي لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثني يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين) كذا للأكثر وهو كذلك في رواية النسفي. وفي رواية المستملي " الفضل بن زهير " ولبعض رواة الفربري أيضا " الفضل بن زهير أو الفضل بن دكين " وجزم مرة أخرى بالفضل بن زهير، قال أبو علي الغساني: هو الفضل بن دكين بن حماد بن زهير فنسب مرة إلى جد أبيه وهو أبو نعيم شيخ البخاري، وقد حدث عنه بالكثير بغير واسطة، وحدث هنا وفي مواضع أخرى قليلة بواسطة. قوله: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم) شك من الراوي وقد أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من وجه آخر عن صخر بن جويرية بلفظ " قال النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: (لعن الله - ثم قال في آخره - يعني لعن النبي صلى الله عليه وسلم) لم يتجه لي هذا التفسير إلا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النبي صلى الله عليه وسلم للعن الله، وقد سقط الكلام الأخير من بعض الروايات وسقط من بعضها لفظ " لعن الله " من أوله. وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن صخر بن جويرية بلفظ " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذا في أول الباب، ويأتي كذلك بعد باب، وقد تقدم في آخر " باب وصل الشعر " بلفظ " لعن الله " وكلها من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع. قوله: (والمستوصلة) في رواية النسائي من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر " الموتصلة " وهي بمعناها وكذا في حديث أسماء " الموصولة". الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الشرح: قوله: (عبد الله) هو ابن المبارك، وسفيان هو الثوري. ولم يقع في هذه الرواية للواصلة ولا للموصولة ذكر، وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وقد تقدم بيانه في " باب المتفلجات " وأنه صرح بذكر الواصلة فيه في التفسير، وعند أحمد والنسائي من طريق الحسن العوفي عن يحيى بن الخراز عن مسروق " أن المرأة جاءت إلى ابن مسعود فقالت: أنبئت أنك تنهى عن الواصلة. قال: نعم " القصة بطولها، وفي آخره " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من أذى". الشرح: قوله: (باب الواشمة) تقدم شرحه قريبا. الحديث: حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ الشرح: حديث أبي هريرة " العين حق، ونهى عن الوشم " وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الطب، ويأتي في الباب الذي يليه عن أبي هريرة بلفظ آخر في الوشم. حديث ابن مسعود أورده مختصرا من وجهين وقد تقدم بيانه في " باب المتفلجات". الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ الشرح: قوله: (رأيت أبي فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى) كذا أورده مختصرا وساقه في البيوع تاما ولفظه " رأيت أبي اشترى حجاما فكسر محاجمه. فسألته عن ذلك " فذكر الحديث كالذي هنا وزاد " وعن كسب الأمة " وسيأتي بأتم من سياقه في " باب من لعن المصور". الحديث: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ فَقَامَ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَشْمِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُمْتُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا سَمِعْتُ قَالَ مَا سَمِعْتَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ الشرح: قوله: (عن عمارة) هو ابن القعقاع بن شبرمة، وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير. قوله: (أتي عمر بامرأة تشم) قلت لم تسم هذه المرأة. قوله: (أنشدكم بالله) يحتمل أن يكون عمر سمع الزجر عن ذلك فأراد أن يستثبت فيه، أو كان نسيه فأراد أن يتذكره، أو بلغه ممن لم يصرح بسماعه فأراد أن يسمعه ممن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال أبو هريرة) هو موصول بالسند المذكور. قوله: (لا تشمن) بفتح أوله وكسر المعجمة وسكون الميم ثم نون خطاب جمع المؤنث بالنهي، وكذا " ولا تستوشمن " أي لا تطلبن ذلك، وهذا يفسر قوله في الباب الذي قبله " نهى عن الوشم " وفائدة ذكر أبي هريرة قصة عمر إظهار ضبطه وأن عمر كان يستثبته في الأحاديث مع تشدد عمر، ولو أنكر عليه عمر ذلك لنقل. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ الشرح: حديث ابن عمر تقدم شرحه. الحديث: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ فَقَامَ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَشْمِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُمْتُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا سَمِعْتُ قَالَ مَا سَمِعْتَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث). الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الشرح: حديث ابن مسعود وقد تقدم شرحه. قال الخطابي: إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما فيها من تغيير الخلقة، وإلى ذلك الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله: " المغيرات خلق الله " والله أعلم. الشرح: قوله: (باب التصاوير) جمع تصوير بمعنى الصورة والمراد بيان حكمها من جهة مباشرة صنعتها، ثم من جهة استعمالها واتخاذها. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود. قوله: (عن أبي طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس. قوله: (وقال الليث حدثني يونس الخ) وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث، وفائدة هذا التعليق تصريح الزهري بن شهاب وتصريح شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وكذا من فوقهما بالتحديث في جميع الإسناد، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب عن يونس وفيه التصريح أيضا، ووقع في رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة لم يذكر ابن عباس بينهما، ورجح الدار قطني رواية من أثبته، وقد أخرجه مالك في الموطأ عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة يعوده فذكر قصة وفيها المتن المذكور وزاد فيه استثناء الرقم في الثوب كما سيأتي البحث فيه، فلعل عبيد الله سمعه من ابن عباس عن أبي طلحة ثم لقي أبا طلحة لما دخل يعوده فسمعه منه، ويؤيد ذلك زيادة القصة في رواية أبي النضر لكن قال ابن عبد البر: الحديث لعبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة، فإن عبيد الله لم يدرك أبا طلحة ولا سهل بن حنيف، كذا قال وكأن مستنده في ذلك أن سهل بن حنيف مات في خلافة علي وعبيد الله لم يدرك عليا بل قال علي بن المديني إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه، وزيد مات بعد سهل بن حنيف بمدة، ولكن روى الحديث المذكور محمد بن إسحاق عن أبي النضر فذكر القصة لعثمان بن حنيف لا لسهل أخرجه الطبراني، وعثمان تأخر بعد سهل بمدة وكذلك أبو طلحة، فلا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما. قوله: (لا تدخل الملائكة) ظاهره العموم، وقيل: يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في كل حالة، وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي وآخرون، لكن قال القرطبي: كذا قال بعض علمائنا، والظاهر العموم، والمخصص يعني الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصا. قلت: ويؤيده أنه ليس من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هو فيها مثلا، ويقابل القول بالتعميم القول بتخصيص الملائكة بملائكة الوحي، وهو قول من ادعى أن ذلك كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كما سأذكره وهو شاذ. قوله: (بيتا فيه كلب) المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك، والظاهر العموم في كل كلب لأنه نكرة في سياق النفي، وذهب الخطابي وطائفة إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع، وجنح القرطبي إلى ترجيح العموم، وكذا قال النووي، واستدل لذلك بقصة الجرو التي تأتي الإشارة إليها في حديث ابن عمر بعد ستة أبواب، قال فامتنع جبريل من دخول البيت الذي كان فيه مع ظهور العذر فيه، قال فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول ا هـ. ويحتمل أن يقال: لا يلزم من التسوية بين ما علم به أو لم يعلم فيما لم يؤمر باتخاذه أن يكون الحكم كذلك فيما أذن في اتخاذه قال القرطبي. واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى منع الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه، فقيل: لكونها نجسة العين، ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم " فأمر بنضح موضع الكلب " وقيل: لكونها من الشياطين، وقيل: لأجل النجاسة التي تتعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلقت به، وعلى هذا يحمل من لا يقول إن الكلب نجس العين نضح موضعه احتياطا لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه، واختلف في المراد بالملائكة فقيل: هو على العموم وأيده النووي بقصة جبريل الآتي ذكرها فقيل يستثنى الحفظة، وأجاب الأول بجواز أن لا يدخلوا مع استمرار الكناية بأن يكونوا على باب البيت، وقيل المراد من نزل منهم بالرحمة، وقيل: من نزل بالوحي خاصة كجبريل، وهذا نقل عن ابن وضاح والداودي وغيرهما ويلزم منه اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه انقطع نزولهم. وقيل: التخصيص في الصفة أي لا يدخله الملائكة دخولهم بيت من لا كلب فيه. قوله: (ولا تصاوير) في رواية معمر الماضية في بدء الخلق عن الزهري " ولا صورة". بالإفراد، وكذا في معظم الروايات وفائدة إعادة حرف النفي الاحتراز من توهم القصر في عدم الدخول على اجتماع الصنفين، فلا يمتنع الدخول مع وجود أحدهما، فلما أعيد حرف النفي صار التقدير ولا تدخل بيتا فيه صورة، قال الخطابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن على ما سيأتي تقريره في " باب ما وطئ من التصاوير " بعد بابين، وتأتي الإشارة إلى تقوية ما ذهب إليه الخطابي في " باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة " وأغرب ابن حبان فادعى أن هذا الحكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال. وهو نظير الحديث الآخر، " لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس " قال فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ محال أن يخرج الحاج والمعتمر لقصد بيت الله عز وجل على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد الله انتهى وهو تأويل بعيد جدا لم أره لغيره، ويزيل شبهته أن كونهم وفد الله لا يمنع أن يؤاخذوا بما يرتكبونه من خطيئة فيجوز أن يحرموا بركة الملائكة بعد مخالطتهم لهم إذا ارتكبوا النهي واستصحبوا الجرس، وكذا القول فيمن يقتني الصورة والكلب. والله أعلم. وقد استشكل كون الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه التصاوير مع قوله سبحانه وتعالى عند ذكر سليمان عليه السلام وقال قتادة: كانت من خشب ومن زجاج أخرجه عبد الرزاق. والجواب أن ذلك كان جائزا في تلك الشريعة وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبدوا كعبادتهم، وقد قال أبو العالية: لم يكن ذلك في شريعتهم حراما ثم جاء شرعنا بالنهي عنه، ويحتمل أن يقال إن التماثيل كانت على صورة النقوش لغير ذوات الأرواح، وإذا كان اللفظ محتملا لم يتعين الحمل على المعنى المشكل، وقد ثبت في الصحيحين حديث عائشة في قصة الكنيسة التي كانت بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: " كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله " فإن ذلك يشعر بأنه لو كان ذلك جائزا في ذلك الشرع ما أطلق عليه صلى الله عليه وسلم أن الذي فعله شر الخلق، فدل على أن فعل صور الحيوان فعل محدث أحدثه عباد الصور، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب عذاب المصورين يوم القيامة) أي الذين يصنعون الصور. الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ الشرح: قوله: (عن مسلم) هو ابن صبيح أبو الضحى وهو بكنيته أشهر، وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران البطين ثم قال إنه الظاهر، وهو مردود فقد وقع في رواية مسلم في هذا الحديث من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى. قوله: (كنا مع مسروق) هو ابن الأجدع. قوله: (في دار يسار بن نمير) هو بتحتانية ومهملة خفيفة، وأبوه بنون مصغر؛ ويسار مدني سكن الكوفة وكان مولى عمر وخازنه، وله رواية عن عمر وعن غيره. وروى عنه أبو وائل وهو من أقرانه، وأبو بردة بن أبي موسى وأبو إسحاق السبيعي، وهو موثق ولم أر له في البخاري إلا هذا الموضع. قوله: (فرأى في صفته) بضم المهملة وتشديد الفاء في رواية منصور عن أبي الضحى عند مسلم " كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل فقال لي مسروق هذه تماثيل كسرى، فقلت: لا هذه تماثيل مريم " كأن مسروقا ظن أن التصوير كان من مجوسي، وكانوا يصورون صورة ملوكهم حتى في الأواني، فظهر أن التصوير كان من نصراني لأنهم يصورون صورة مريم والمسيح وغيرهما و يعبدونها. قوله: (سمعت عبد الله) هو ابن مسعود وفي رواية منصور فقال: " أما إني سمعت عبد الله بن مسعود". قوله: (إن أشد الناس عذابا عند الله المصورون) وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان " يوم القيامة " بدل قوله: " عند الله " وكذا هو في مسند ابن أبي عمر عن سفيان، وأخرجه عن الإسماعيلي من طريقه، فلعل الحميدي حدث به على الوجهين بدليل ما وقع في الترجمة، أو لما حدث به البخاري حدث به بلفظ " عند الله " والترجمة مطابقة للفظ الذي في حديث ابن عمر ثاني حديثي الباب، والمراد بقوله " عند الله " حكم الله. ووقع عند مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش أن " من أشد الناس " واختلف نسخه ففي بعضها " المصورين " وهي للأكثر وفي بعضها " المصورون " وهي لأحمد عن أبي معاوية أيضا، ووجهت بأن " من " زائدة واسم إن أشد، ووجهها ابن مالك على حذف ضمير الشأن والتقدير أنه من أشد الناس الخ. وقد استشكل كون المصور أشد الناس عذابا مع قوله تعالى: (ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذابا من آل فرعون، وأجاب الطبري بأن المراد هنا من يصور ما يعبد من دون الله وهو عارف بذلك قاصدا له فإنه يكفر بذلك، فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون وأما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيا بتصويره فقط. وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات " من " ثابتة وبحذفها محمولة عليها، وإذا كان من يفعل التصوير من أشد الناس عذابا كان مشتركا مع غيره، وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب بل هم في العذاب الأشد، فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشد، وقوى الطحاوي ذلك بما أخرجه من وجه آخر عن ابن مسعود رفعه " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين " وكذا أخرجه أحمد. وقد وقع بعض هذه الزيادة في رواية ابن أبي عمر التي أشرت إليها فاقتصر على المصور وعلى من قتله نبي. وأخرج الطحاوي أيضا من حديث عائشة مرفوعا " أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها " قال الطحاوي: فكل واحد من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب. وقال أبو الوليد بن رشد في " مختصر مشكل الطحاوي " ما حاصله. إن الوعيد بهذه الصيغة إن ورد في حق كافر فلا إشكال فيه لأنه يكون مشتركا في ذلك مع آل فرعون ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكور، وإن ورد في حق عاص فيكون أشد عذابا من غيره من العصاة ويكون ذلك دالا على عظم المعصية المذكورة. وأجاب القرطبي في " المفهم " بأن الناس الذين أضيف إليهم " أشد " لا يراد بهم كل الناس بل بعضهم وهم من يشارك في المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الإلهية عذابا، ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد عذابا ممن يقتدي به في ضلالة فسقه، ومن صور صورة ذات روح للعبادة أشد عذابا ممن يصورها لا للعبادة. واستشكل ظاهر الحديث أيضا بإبليس وبابن آدم الذي سن القتل، وأجيب بأنه في إبليس واضح، ويجاب بأن المراد بالناس من ينسب إلى آدم، وأما في ابن آدم فأجيب بأن الثابت في حقه أن عليه مثل أوزار من يقتل ظلما، ولا يمتنع أن يشاركه في مثل تعذيبه من ابتدأ الزنا مثلا فإن عليه مثل أوزار من يزني بعده لأنه أول من سن ذلك، ولعل عدد الزناة أكثر من القاتلين. قال النووي قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره فصنعه حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، فأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. قلت: ويؤيد التعميم فيما له ظل وفيما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها أي طمسها " الحديث، وفيه " من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد " وقال الخطابي: إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل. قال: والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح وقيل: يفرق بين العذاب والعقاب، فالعذاب يطلق على ما يؤلم من قول أو فعل كالعتب والإنكار، والعقاب يختصن بالفعل فلا يلزم من كون المصور أشد الناس عذابا أن يكون أشد الناس عقوبة. هكذا ذكره الشريف المرتضى في " الغرر " وتعقب بالآية المشار إليها وعليها انبنى الإشكال، ولم يكن هو عرج عليها، فلهذا ارتضى التفرقة، والله أعلم. واستدل به أبو علي الفارسي في " التذكرة " على تكفير المشبهة فحمل الحديث عليهم وأنهم المراد بقوله المصورون أي الذين يعتقدون أن لله صورة. وتعقب بالحديث الذي بعده في الباب بلفظ " إن الذين يصنعون هذه الصورة يعذبون " وبحديث عائشة الآتي بعد بابين بلفظ " إن أصحاب هذه الصور يعذبون " وغير ذلك، ولو سلم له استدلاله لم يرد عليه الإشكال المقدم ذكره. وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصدا أن يضاهي، فإنه يصير بذلك القصد كافرا، وسيأتي في " باب ما وطئ من التصاوير " بلفظ " أشد الناس عذابا الذين يضاهون بخلق الله تعالى " وأما من عداه فيحرم عليه ويأثم. لكن إثمه دون إثم المضاهي. قلت: وأشد منه من يصور ما يعبد من دون الله كما تقدم. وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ الشرح: قوله: (عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري. قوله: (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم) هو أمر تعجيز، ويستفاد منه صفة تعذيب المصور، وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها، وهو لا يقدر على ذلك، فيستمر تعذيبه كما سيأتي تقريره في " باب من صور صورة " بعد أبواب.
|